فصل: مناسبة الآية لما قبلها:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



ويتابع الحق: {وَإِن يُهْلِكُونَ إِلاَّ أَنفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ} ونرى أن الذي يقف أمام دعوة الحق والخير لينكرها ويبطلها ويعارضها ويحاربها إنما يقصد من ذلك خير نفسه وكسب الدنيا وأخذها لجانبه، ولكنهم أيضًا لن يصلوا إلى ذلك، لماذا؟
لأن الله غالب على أمره: {وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا المرسلين إِنَّهُمْ لَهُمُ المنصورون وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الغالبون} [الصافات: 171- 173].
والحق سبحانه وتعالى لا يهزم جندَه أبدًا، ولابد أن يهلك أعداء دعوته بسبب كفرهم وصدهم عن سبيل الله فهم في الحقيقة هم الذين يهلكون أنفسهم بأنفسهم. وسيظل أمر الدعوة الإيمانية الإسلامية في صعود. وسيرون أرض الكفر تنتقص من حولهم يومًا بعد يوم. ولذلك يقول الحق في آية أخرى: {أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّا نَأْتِي الأرض نَنقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا} [الرعد: 41].
أي أن أرض الكفر تنقص وتنقص والله يحكم لا معقب لحكمه، ولذلك يشرح القرآن في آخر ترتيبه النزولي هذه القضية شرحًا وافيًا. ويعلمنا أن نقطع كل علاقة لنا مع الكافرين، فيقول سبحانه: {قُلْ يا أيها الكافرون لاَ أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ وَلاَ أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ وَلاَ أَنَا عَابِدٌ مَّا عَبَدتُّمْ وَلاَ أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ} [الكافرون: 2- 5].
وهكذا نرى أن قطع العلاقات أمر مطلوب بين فريقين: فريق يرى أنه على حق، وفريق ثانٍ أنه على باطل، وقد يكون قطع العلاقات أمرًا موقوتًا. وقد تضغط الظروف والأحداث إلى أن نعيد العلاقات الدنيوية ثانية، ولكن قطع العلاقات لابد أن يكون مؤيدًا في شأن العقيدة ولا مداهنة في هذا، ولذلك قالها الحق مرتين: {لاَ أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ وَلاَ أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ وَلاَ أَنَا عَابِدٌ مَّا عَبَدتُّمْ وَلاَ أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ} [الكافرون: 1- 5].
فالمؤمن يرى الحاضر والمستقبل، ويعلم استحالة أن يعبد ما يعبده الكافرون، واستحالة أن يعبد الكافرون ما يعبد.
وقد يقول قائل: إن القرآن في ترتيبه النزولي لابد ألا يتعارض مع واقعه، ولكننا نرى في قوله تعالى: {لاَ أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ وَلاَ أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ} وكررها مرتين، إنه بذلك يكون قد أغلق الباب أمام الكافرين فلا يؤمنون مع أن بعضهم قد دخل في دين الله. نقول: نعم إنه لا يتعارض؛ لأن الحق لم يغلق الباب أمام الكافرين الذين أراد الله أن يؤمنوا، بدليل أنه قال جل وعلا: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ الله والفتح وَرَأَيْتَ الناس يَدْخُلُونَ فِي دِينِ الله أَفْوَاجًا فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ واستغفره إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا} [النصر: 1- 3].
إذن فالمسألة لن تجمد عند ذلك؛ فمعسكر الإيمان سيتوسع، وسيواجه معسكر الكافرين وسيدخل الناس في دين الله أفواجًا. ولكن هناك من قضى الله عليهم ألا يؤمنوا ليظلوا على كفرهم ويدخلوا النار، فقال سبحانه من بعد ذلك: {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ مَا أغنى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ سيصلى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ وامرأته حَمَّالَةَ الحطب فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِّن مَّسَدٍ} [المسد: 1- 5].
إذن فأبو لهب ومن على شاكلته سيدخل النار ولن يدخل في دين الله أبدًا.
ويجيء قول الحق: {وَرَأَيْتَ الناس يَدْخُلُونَ فِي دِينِ الله أَفْوَاجًا} [النصر: 2].
هذا القول يفتح باب الأمل، ونرى دخول عمر بن الخطاب وعمرو بن العاص، وعكرمة بن أبي جهل إلى الإسلام. ومجيء سورة المسد من بعد سورة النصر في الترتيب المصحفي كما أراد الله، يعلمنا أن هناك أناسًا لن يدخلوا الجنة لأنهم مثل أبي لهب وزوجه.
وتأتي من بعدها سورة الإخلاص: {قُلْ هُوَ الله أَحَدٌ الله الصمد لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ} [الإخلاص: 1- 4].
إنه لا إله مع الله ينقض ما حكم به الله، ولن يعقب أحد على حكم الله. إذن فمن كفر وأشرك بالله يكون من الذين خسروا أنفسهم وأهلكوها وما يشعرون. اهـ.

.فوائد لغوية وإعرابية:

قال ابن عادل:
قوله: {وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ} في الضميرين- أعني هم وهاء عنه- أوجه:
أحدهما: أن المرفوع يعود على الكُفَّارِ، والمجرور يعود على القرآن الكريم، وهو أيضًا الذي عَادَ عليه الضَّميرُ المَنْصُوب من {يَفْقَهُوه}، والمُشَارُ إليه بقولهم: إنْ هَذَا.
والثاني: أنَّ هم يعود على من تَقدَّمَ ذكرهم من الكُفَّار، وفي عنه يعود على الرسول، وعلى هذا ففيه الْتَفَاتٌ من الخطاب إلى الغَيْبَةِ، فإن قوله: {جَاءُوَكَ يُجَادلونك} خطابٌ للرسول عليه الصَّلاةُ والسَّلام، فخرج من هذا الخطاب إلى الغَيْبَةَ.
وقيل: يعود المرفوع على أبي طالب وأتْبَاعِهِ.
وفي قوله: {يَنْهَوْنَ} و{يَنْأوْنَ} تَجْنِيسُ التصريف، وهو عِبَارةٌ عن انفراد كل كلمة عن الأخرى بحرف ف {ينهون} انفردت بالهاء، و{يَنْأوْن} بالهمزة، ومثله قوله تعالى: {وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ} [الكهف: 104] {بِمَا كُنتُمْ تَفْرَحُونَ فِي الأرض بِغَيْرِ الحق وَبِمَا كُنتُمْ تَمْرَحُون} [غافر: 75].
وقوله عليه الصلاة والسلام: «الخَيْلُ مَعْقُودٌ في نَوَاصِيْهَا الخَيْرُ»، وبعضهم يسميه تجنيس التَّحْريف وهو الفرق بين كلمتين بحرف وأنشدوا في ذلك قول القائل: [الكامل]
إنْ لَمْ أشُنَّ عَلَى ابْنِ حَرْبٍ غَارَةً ** لَمْ تَخْلُ يَوْمًا مِنْ نِهابِ نُفُسِ

وذكر غيره أن تجنيس التحريف هو أن يكون الشَّكْلُ، فرقًا بين كلمتين، وجعل منه اللُّهِى تفتح اللَّهى وقد تقدَّم تحقيقه.
وقرأ الحسن و{يَنَوْن} بإلقاء حركة الهمزة على النونه وحذفها، وهو تخفيف قياسي.
والنَّأيُ: البُعْدُ، قال: [الطويل]
إذَا غَيَّرَ النَّأيُ المُحِبِّينَ لَمْ يَزَل ** رَسِيسُ الهَوَى مِنْ حُبِّ مَيَّةً يبْرَحُ

وقال الآخر في ذلك، فأجَادَ، [الطويل]
ألاَ حَبَّذا هِنْد وأرْضٌ بِهَا هِنْدُ ** وهِنْدٌ أتَى مِنْ دُونِهَا النَّايُ والبُعْدُ

عطف الشيء على نفسه للمُغَايَرَةَ اللَّفْظيَّة يقال: نَأي زيد يَنْأى نَأيًا، ويتعدَّى بالهمزة، فيقال: أنْأيْتُهُ، ولا يُعَدِّى بالتضعيف، وكذا كل ما كان عينه همزةً.
ونقل الواحدي أنه يقال: نَأيْنُهُ بمعنى نَأيْتُ عنهُ.
وأنشد المُبَرِّدُ: [الطويل]
أعَاذِلُ إنْ يُصْبِحْ صَدَاي بِقَفْرَةٍ ** بَعيدًا نآنِي صَاحِبِي وَقَريبِى

أي: نَأى عَنَّي.
وحكى اللَّيْثُ: نَأيْثُ الشيء، أي: أبْعَدْتُهُ، وأنشد: [الطويل]
إذَا مَا الْتَقَينا سَالض مِنْ عَبَرَاتِنَا ** شَآبيبُ يُنْأى سِيْلُهَا بالأصَابِع

فَبَنَاهُ للمفعول، أي: يُنَحِّى ويُبْعَدُ.
والحاصلُ أنَّ هذه المادة تَدُلُّ على البُعْدِ، ومنه أتَنَأى أي: أفْعَلُ النَّأيَ.
والمَنْأى: الموضع البعيدُ.
قال النابغة: [الطويل]
فَإنَّكَ كالمَوْتِ الَّذِي هُوَ مُدْرِكِي ** وَإنْ خِلْتُ أنَّ المُنْتَأى عَنْكَ وَاسِعُ

وتَنَاءَى أي: تباعد، ومنه النُّؤيُ للحُفَيْرَةِ التي حول الخِبَاءِ لتبعد عنه الماء.
وقُرِئ: {وَنَأَى بِجَانِبِهِ} [فصلت: 51] وهو مَقْلُوبٌ من نأى، ويَدُلُّ على ذلك أنَّ الأصل هو المَصْدَرُ وهو النَّأيُ بتقديم الهمزة على حرق العِلِّة.
قوله: {وإن يهلكون} {إنْ} نافية كالتي في قوله: {إِنْ هاذا} [الأنعام: 25] و{أنفسهم} مفعولٌ، وهو استثناءُ مُفَرَّغٌ، ومفعول {يَشْعرون} محذوف: إمَّا اقتصارًا، وإمّا اختصارًا، أي: وما يشعرون أنهم يهلكون أنفسهم بتماديهم في الكُفْرِ وغُلُوِّهِمْ فيه، قاله ابن عباس. اهـ. باختصار.

.تفسير الآية رقم (27):

قوله تعالى: {وَلَوْ تَرَىَ إِذْ وُقِفُواْ عَلَى النَّارِ فَقَالُواْ يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلاَ نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (27)}

.مناسبة الآية لما قبلها:

.قال البقاعي:

ولما جعل عدم إيمانهم في هذه بشيء من الآيات موصلًا لهم إلى غاية من الجهل عظيمة موئسة من ادعائهم في هذه الدار، وهي مجادلتهم له صلى الله عليه وسلم، وختم الآية بما رأيت من عظيم التهديد استشرفت النفس إلى معرفة حالهم عند ردهم إلى الله تعالى والكشف لهم عما هددوا به، فأعلم نبيهم صلى الله عليه وسلم أن حالهم إذ ذاك الإيمان، حيث يسر غاية السرور تصديقهم له، وتمنيهم متابعته لما يركبهم من الذل ويحيط بهم من الصغار، ولا يزيدهم ذلك إلاّ ضررًا وعمى وندمًا وحسرة، فكأنه قيل: فلو رأيت حالهم عند كشف الغطاء- وهو المطلع- لرأيتهم يؤمنون: {ولو ترى إذ} أي حين {وقفوا} في الحشر، وبني للمجهول لأن المنكىّ الإيقاف، لا كونه من معين {على النار} أي عندها ليدخلوها مشرفين على كل ما فيها من أنواع النكال، وذلك أعظم في النكاية أو على الجسر وهو على الصراط وهي تحتهم، أو عرفوا حقيقتها ومقدار عذابها من قولك: أوقفته على كذا- إذا عرفته إياه {فقالوا} تمنيًا للمحال {يا ليتنا نرد} أي إلى الدنيا.
ولما كان التقدير بشهادة قراءة من نصب الفعلين- جوابًا للتمني- أو أحدهما: فنطيع، عطف على الجملة قوله: {ولا} أي والحال أنا لا، أو ونحن لا {نكذب} إن رددنا {بآيات ربنا} أي المحسن إلينا {ونكون من المؤمنين} أي الراسخين في الإيمان، والتقدير عند ابن عامر في نصب الثالث: ليتنا نرد، وليتنا لا نكذب فنسعد وأن نكون، وعلى قراءة حمزة والكسائي وحفص بنصب الفعلين: ليتنا نرد فنسعد، وأن لا نكذب وأن نكون، والمعنى: لو رأيت إيقافهم ووقوفهم في ذلك الذل والانكسار والخزي والعار وسؤالهم وجوابهم لرأيت أمرًا هائلًا فظيعًا ومنظرًا كريهًا شنيعًا، ولكنه حذف تفخيمًا له لتذهب النفس فيه كل مذهب، وجاز حذفه للعلم به في الجملة. اهـ.

.قال الفخر:

اعلم أنه تعالى لما ذكر صفة من ينهى عن متابعة الرسول عليه الصلاة والسلام، وينأى عن طاعته بأنهم يهلكون أنفسهم شرح كيفية ذلك الهلاك بهذه الآية. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

قال الفخر:
قوله: {وَلَوْ تَرَى} يقتضي الله جوابًا وقد حذف تفخيمًا للأمر وتظيمًا للشأن، وجاز حذفه لعلم المخاطب به وأشباهه كثيرة في القرآن والشعر.
ولو قدرت الجواب، كان التقدير: لرأيت سوء منقلبهم أو لرأيت سوء حالهم وحذف الجواب في هذه الأشياء أبلغ في المعنى من إظهاره، ألا ترى: أنك لو قلت لغلامك، والله لئن قمت إليك وسكت عن الجواب، ذهب بفكره إلى أنواع المكروه، من الضرب، والقتل، والكسر، وعظم الخوف ولم يدر أي الأقسام تبغي.
ولو قلت: والله لئن قمت إليك لأضربنك فأتيت بالجواب، لعلم أنك لم تبلغ شيئًا غير الضرب ولا يخطر بباله نوع من المكروه سواه، فثبت أن حذف الجواب أقوى تأثيرًا في حصول الخوف.
ومنهم من قال جواب {لَوْ} مذكور من بعض الوجوه والتقدير ولو ترى إذ وقفوا على النار ينوحون ويقولون يا ليتنا نرد ولا نكذب. اهـ.

.قال السمرقندي:

{وَلَوْ تَرَى إذْ وُقِفُوا عَلَى النَّار} قال الكلبي: يعني: حبسوا على النار.
وقال مقاتل يعني: عرضوا على النار.
وقال الضحاك: يعني: جمعوا على أبوابها.
ويقال: وقفوا على متن جهنم والنار تحتهم.
وروي في الخبر: أن الناس كلهم وقفوا على متن جهنم كأنها متن الأهالة، ثم نادى مناد خذي أصحابك، ودعي أصحابي. اهـ.

.قال الألوسي:

{وَلَوْ ترى إِذْ وُقِفُواْ عَلَى النار} شروع في حكاية ما سيصدر عنهم يوم القيامة من القول المناقض لما صدر عنهم في الدنيا من القبائح المحكية مع كونه كاذبًا في نفسه.
والخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم أو لكل من له أهلية ذلك قصدًا إلى بيان سوء حالهم وبلوغها من الشناعة إلى حيث لا يختص استغرابها دون راء.
و{لَوْ} شرطية على أصلها وجوابها محذوف لتذهب نفس السامع كل مذهب فيكون أدخل في التهويل، ونظير ذلك قوله امرئ القيس:
وجدك لو شيء أتانا رسوله ** سواك ولكن لم نجد لك مدفعًا

وقولهم لو ذات سوار لطمتني.
و{تَرَى} بصرية وحذف مفعولها لدلالة ما في حيز الظرف عليه. اهـ.

.قال ابن عاشور:

الخطاب للرسول عليه الصلاة والسلام لأنّ في الخبر الواقع بعده تسلية له عمّا تضمّنه قوله: {وهم ينهون عنه وينأون عنه} [الأنعام: 26] فإنّه ابتدأ فعقّبه بقوله: {وإن يهلكون إلاّ أنفسهم} [الأنعام: 26] ثم أردفه بتمثيل حالهم يوم القيامة.
ويشترك مع الرسول في هذا الخطاب كلّ من يسمع هذا الخبر.
و{لو} شرطية، أي لو ترى الآن، و{إذ} ظرفية، ومفعول {ترى} محذوف دلّ عليه ضمير {وقفوا}، أي لو تراهم. اهـ.

.قال الفخر:

قوله: {وُقِفُواْ} يقال وقفته وقفًا، ووقفته وقوفًا كما يقال رجعته رجوعًا.
قال الزجاج: ومعنى {وُقِفُواْ عَلَى النار} يحتمل ثلاثة أوجه: الأول: يجوز أن يكون قد وقفوا عندها وهم يعاينونها فهم موقوفون على أن يدخلوا النار.
والثاني: يجوز أن يكونوا وقفوا عليها وهي تحتهم، بمعنى أنهم وقفوا فوق النار على الصراط، وهو جسر فوق جهنم.
والثالث: معناه عرفوا حقيقتها تعريفًا من قولك وقفت فلانًا على كلام فلان؛ أي علمته معناه وعرفته، وفيه وجه رابع: وهم أنهم يكونون في جوف النار، وتكون النار محيطة بهم، ويكونون غائصين فيها وعلى هذا التقدير فقد أقيم (على) مقام (في) وإنما صح على هذا التقدير، أن يقال: وقفوا على النار، لأن النار دركات وطبقات، وبعضها فوق بعض فيصح هناك معنى الاستعلاء.
فإن قيل: فلماذا قال: {وَلَوْ تَرَى}؟ وذلك يؤذن بالاستقبال ثم قال بعده إذ وقفوا وكلمة {إِذْ} للماضي ثم قال بعده، فقالوا وهو يدل على الماضي.
قلنا: أن كلمة (إذ) تقام مقام (إذا) إذا أراد المتكلم المبالغة في التكرير والتوكيد، وإزالة الشبهة لأن الماضي قد وقع واستقر، فالتعبير عن المستقبل باللفظ الموضوع للماضي، يفيد المبالغة من هذا الاعتبار. اهـ.